يمتلك عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى بيانات ضخمة ووسائل متعددة تتيح تحليلها. وقد شهد عالم البيانات في الآونة الأخيرة تطورات بارزة إلا أن جائحة فيروس كورونا كشفت أننا لم ندرك بعد الإمكانات الكاملة لتلك الثروة من البيانات.
ترافق ارتفاع عدد الحالات وبدء عمليات الإغلاق، مع تزايد طلب الحكومات حول العالم لتوفير البيانات من مصادر متعددة لقياس مدى تأثير الأزمة على الأعمال والشركات والمدارس والخدمات العامة. وغلبت الباحثين مشاعر اليأس والإحباط خلال محاولاتهم الحصول على بيانات عن انتشار الفيروس ومدى تأثيره وأصل نشأته. وبالمثل شعر العاملون في قطاع تجارة التجزئة وذلك بسبب نقص البيانات في الوقت الفعلي والتي من شأنها أن تمكنهم من ضبط مستويات المخزون لتناسب احتياجات العملاء المتغيرة. كما احتاج المصنعون إلى مزيد من البيانات من طرف الموزعين لفهم الطلب المتغير حتى يتمكنوا بدورهم من الابتعاد عن إنتاج المواد غير الأساسية والتركيز أكثر على المنتجات التي زاد الطلب عليها فجأة.
وقد شجع هذا الوضع الجميع على إدراك أهمية تشارك البيانات ووجود منصات للبيانات المفتوحة. وبدلاً من التعامل مع البيانات باعتبارها ملكية فكرية، فإننا بحاجة إلى تبني عقلية أكثر انفتاحاً تعي أهمية مشاركة البيانات وتجديد روح التعاون بدلاً من المنافسة.
وسأحاول في التالي تفسير أهمية تشارك البيانات المفتوحة عبر أربع نقاط رئيسية:
رؤية أوضح للخدمات الحكومية والعامة
إن توفر البيانات المفتوحة يعود بالنفع على كل أفراد المجتمع والقطاع العام، حيث تسهم في رفع جودة وكفاءة وشفافية الخدمات العامة، وقد أنشأت معظم الحكومات بوابات ومنصات إلكترونية للبيانات المفتوحة، والتي يُنظر إليها أيضاً على أنها تعبير مثالي عن التآزر وتوفير التكاليف، كما تعد أساساً للابتكار والنمو الاقتصادي، وذلك بحسب ما عبّرت عنه بوابة البيانات الأوروبية (EDP).
كما كان لدبي وكعادتها السبق والريادة على مستوى المنطقة، حيث عملت على تأسيس صناديق للبيانات وذلك تحت مظلة "دبي الذكية"، وهي المكتب الرسمي المكلف بمهمة الإشراف على التحول الذكي في الإمارة.
ومن أوائل التطبيقات المحتملة لمنصة البيانات المفتوحة الخاصة بهذا الصندوق مبادرة المجتمعات الصحية في دبي، والتي ستعمل على ربط بيانات الرعاية الصحية المجمّعة على مستوى الدولة بالإحصاءات الجغرافية والديموغرافية وقطاع التجزئة بهدف إنشاء مؤشر استهلاك صحي يشمل ملفات الصحة والاستهلاك للمجتمعات الفرعية الأخرى. ومن ثم استخدام هذه المدخلات المحددة لتشجيع أفراد المجتمع على التوجه نحو الخيارات الغذائية وأنماط الحياة الصحية.
ومن خلال تلك البيانات سنتمكن من تشجيع المجتمع على اتباع نمط حياة صحي يقيهم على سبيل المثال من مخاطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني والابتعاد عن أنماط الحياة التي تعرضهم بشكل أكبر لمخاطر الإصابة بهذا المرض. وفي مدينة مثل دبي تتسم بتنوعها الثقافي والعرقي فإن هناك اختلافات جوهرية في العادات الغذائية وأنماط حياة الأفراد، وذلك يتطلب تدخلاً فاعلاً لتغيير السلوكيات والحصول على فهم أعمق لما يفضله أفراد تلك المجتمعات المتنوعة والتعرف على المستوى الإجمالي لصحتهم. وهذا يشمل أيضاً المتاجر التي تسعى إلى التأقلم في مجتمعها عبر توفير منتجات تساعد أفراد المجتمع المحيط بها على التوجه نحو الخيارات الغذائية الصحية.
التعاون البحثي
تم بالفعل في مجتمع البحث الأكاديمي إنشاء منصات للبيانات المفتوحة، وذلك بحسب ما أشارت إليه مؤخراً مقالة نُشرت في دورية "نيتشر" العلمية، وذلك لأن مشاركة البيانات تتيح قدراً أكبر من التعاون، وتزيد الثقة في النتائج وتعزز النوايا الحسنة بين الباحثين. وذلك فضلاً عن أنه يمكن الاعتماد على المشاركة لتجنب تكرار الجهد وإنشاء مجموعة بيانات أكبر يُستفاد منها على نطاق واسع، وذلك من شأنه أيضاً إزالة ما يُعرف في عالم التحليل بتحيز البيانات.
وقد أعطت جائحة كوفيد-19 مزيداً من الزخم لفتح باب البيانات واسعاً أمام الجهود البحثية، وذلك بدءاً من إتاحة البيانات المتعلقة بتسلسل جينوم الفيروس ، الأمر الذي أسهم بفاعلية في دعم جهود مبادرات العلاج وتطوير اللقاحات.
ومع ذلك، فنحن في الوقت الحاضر ما زلنا في البداية.
وفي زامبيا، ساهمت البيانات المفتوحة في خفض الحالات المبلّغ عنها بنسبة 85% وانخفاض وفيات الملاريا بنسبة 92% خلال فترة ثلاث سنوات. وعلى هذا الأساس، استنبطت بوابة البيانات الأوروبية أن أدوات البيانات المفتوحة يمكنها أن توفر من 4,4 إلى 6,1 مليار دولار أمريكي من تكاليف الرعاية الصحية السنوية المحتملة على مستوى العالم بسبب التوجيه الأفضل للموارد لمكافحة الملاريا.
وإلى جانب البحث العلمي في مجال الطب والرعاية الصحية، يمكن للأوساط الأكاديمية الوصول إلى ثروة هائلة من البيانات على الرغم من كونها مجهولة المصدر والاستفادة منها بغرض التعلم في الفصول التعليمية وإجراء التجارب والاختبارات. ونحن في ماجد الفطيم، نعمل مع "وارتون كاستمر أناليتكس" في جامعة بنسلفانيا لتزويد الباحثين بأكثر من 50 تيرابايت من البيانات مجهولة المصدر. وقد شاركنا بياناتنا مع 11 مجموعة بحثية من عدد من الجامعات الدولية، حيث يعمل الطلبة على بياناتنا، كما نتواصل معهم شهرياً لمناقشة نتائجهم والتحديات والمواضيع الناشئة الأخرى.
تعزيز استجابة الأعمال التجارية
عندما تم فرض إجراءات الإغلاق، تحولت بعض المواد والأصناف التي لم نكن نفكر فيها مرتين من فرط وفرتها إلى مواد يصعب الحصول عليها. فقد كان "النقص" هو الكلمة السائدة في قطاع تجارة التجزئة الذي عانى من الاستجابة البطيئة في وجه متغيرات سريعة في سلوك المستهلك ونقص التنسيق والتفاهم بينهم وبين شركائهم في سلسلة التوريد.
ومن هنا نكتشف أن توفر البيانات المفتوحة قادر على إيجاد تحسينات كبيرة، وقد بدأ بالفعل بعض تجار التجزئة في اتباع هذا الطريق.
فعلى سبيل المثال، يقوم "كارفور" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتجميع البيانات حول أداء المنتج لتحسين تجربة العملاء وزيادة المبيعات. ومن ثم يتم مشاركة تلك البيانات مع الموردين حتى يتمكنوا بدورهم من تحسين استراتيجيات منتجاتهم وتسويق علامتهم التجارية.
ويمكن أيضاً للعديد من القطاعات الأخرى أن تستفيد من البيانات المفتوحة. وقد بدأت شركات الأدوية في فتح البيانات ومشاركة ما يحرزونه من تقدم فيما يخص القضايا العالمية الملحة مثل مقاومة المضادات الحيوية. وفي قطاع الزراعة، تُستخدم البيانات المفتوحة لتعزيز الاستدامة والتنوع البيئي وإنتاجية المحاصيل والمحافظة على التربة.
تحسين تجربة العملاء والمجتمعات
وبالنظر إلى موضوعنا من زاوية أخرى، فإن العملاء هم الطرف المتلقي والمستفيد من العديد من نتائج تلك المبادرات المذكورة في هذه السطور.
إن توفر مخزون كاف من المنتجات التي نستهلكها خصوصاً في أوقات ذروة الطلب عليها يعد جانباً واحداً فقط من فوائد منصات البيانات المفتوحة ومساهمتها في تحسين مستوى حياتنا.
وكانت بوابة البيانات الأوروبية قد أجرت عمليات حسابية أثببت أنه قد تم فعلياً توفير من 500 إلى 730 مليون ساعة بفضل تقليل وقتنا المهدور خلال التنقل بسبب حركة المرور، وذلك بحسب بيانات تم جمعها في الوقت الأصلي والتي بالتوازي تستفيد من استخدام البيانات المفتوحة مجهولة المصدر.
كما يمكن أيضاً للبيانات المفتوحة المساعدة في تحقيق وفورات الطاقة، وقد توقعت بوابة البيانات الأوروبية أن الأدوات القائمة على البيانات المفتوحة يمكنها أن توفر نحو 5,8 مليون طن من المكافئ النفطي من خلال تشجيع العملاء على ترشيد استهلاك الطاقة وبالتالي خفض أثرها البيئي.
ضرورة حماية البيانات
وأخيراً، فمن المهم جداً أن نعي الأهمية القصوى لحماية البيانات.
إن الرؤى التي توفرها البيانات المفتوحة وعامل الخصوصية ليسا مرتبطان بالضرورة، فنحن لسنا بحاجة إلى معرفة التفاصيل الخاصة بالأشخاص إذا ما كنا على سبيل المثال نريد تحديد مقدار حاجتنا إلى تخزين المزيد من الدقيق في متجرنا، أو إذا كانت هناك منطقة جغرافية معينة بها نسبة أعلى من الأمراض التي قد تجعلها بدورها أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية.
إن توفر البيانات المفتوحة يعد ثروة من الاحتمالات الجديدة وكل ما نحتاجه للاستفادة منها هو أن نمتلك عقلية منفتحة. كما نحتاج إلى التوقف عن تخزين البيانات والبحث عن فرص التعاون مع الشركاء داخل وخارج قطاعاتنا، وكذلك المبادرة بالتبرع لصناديق البيانات، وإطلاق حوارات عامة لتثقيف أفراد المجتمع حول فوائد مشاركة البيانات مجهولة المصدر. وعلينا في هذا التوقيت اغتنام الفرصة المتاحة لنا الآن لمساعدة مجتمعاتنا على العمل بشكل أفضل لصالح الجميع.
تم نشر هذه المقالة لأول مرة في Arabic.arabianbusiness.com