لا يوجد أدنى شك في أن تغير المناخ هو أحد أكبر التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود كم هائل من المعلومات التي يقدمها الخبراء حول هذا الموضوع تحديدًا، إلا أن خفض مستوى "الكربون المجسد" يعد موضوعًا حيويًا ذا صلة وثيقة بقضية تغير المناخ ويتطلب الكثير من الجهد والتعاون بقدر ما تتوفر هذه الكمية المهولة من المعلومات الواردة في التقارير والدراسات، وذلك حتى نتمكن من تحقيق التقدم المرجو على أوسع نطاق ممكن، وأن نخرج من نطاق الدائرة الضيقة الممثلة في عدد محدود من الشركات الدولية التي أحرزت تقدمًا ملحوظًا في هذا الشأن. وإذا ما أخفقنا في ذلك وفي تحديد المخاطر المرتبطة بالكربون المجسد، فلربما نجد أنفسنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا مضطرين للتعامل بأسلوب رد الفعل مع الإرشادات الصناعية العالمية التي تشهد تغييرات سريعة بدل أن نكون السباقين في هذا المجال. ولا يبدو أننا في الوقت الحالي نبدي الاهتمام الكافي لمعالجة هذه المشكلة، والتي تستوجب تحركًا عاجلًا وعلى نطاق واسع لتفادي تفاقم مشكلة الكربون المجسد، والتي تتضخم يومًا بعد يوم، وذلك من واقع الأرقام التي توردها العديد من الهيئات الدولية الرائدة، وهي الأرقام عينها التي سترسم صورة قاتمة وبشكل ملحوظ إذا ما تأخرنا أكثر من ذلك.
وكان بحث جديد نشرته كل من "اللجنة الدولية للتغيرات المناخية" و"هيئة الأمم المتحدة" و"المجلس العالمي للأبنية الخضراء" والمجتمع العلمي بوجه عام قد أثبت مدى ضخامة تلك المشكلة والحاجة الملحّة للتحرك العاجل نحو تحقيق هدف عام 2030. واقتبس من البحث هذه الفقرة المهمة: "إذا لم ننجح في تخفيض إجمالي الانبعاثات العالمية بحلول عام 2030 بنسبة 65%، سنكون قد فقدنا فرصتنا وتخطينا عتبة الاحترار من 1,5 إلى 2 درجة مئوية وسندخل في مرحلة اللاعودة بالنسبة لتغير المناخ". كما أن هناك عوامل أخرى تسهم في مفاقمة هذه المشكلة وذلك بحسب التوقعات الحالية التي تتنبأ أنه بحلول عام 2060 سيتضاعف إجمالي مساحة المباني العالمية وأن أكثر من 50% من هذا التطور سيحدث خلال العشرين عامًا القادمة. ومن هنا فإن تخفيف المخاطر وتقليل انبعاثات الكربون المجسد ومنع وقوع السيناريو الأسواء لتغير المناخ، يتطلب أكثر من مجرد النوايا الحسنة. فنحن بحاجة وبدءًا من اليوم إلى إجراءات سريعة وحاسمة من قادة مختلف القطاعات على مستوى العالم.
وفي الوقت الذي تأخذ فيه دول الاتحاد الأوروبي بزمام المبادرة في هذه القضية، إلا أن ثمة مسؤولية متزايدة تقع على عاتق قادة القطاعات والمؤسسات في هذه المنطقة لينضموا إلى تلك الجهود ويناصروا هذه القضية والدعوة إلى إعادة توجيه التنمية المستقبلية عبر طرق أفضل وأكثر مسؤولية تجاه البيئة. ومع ذلك، يوجد عدد قليل من دراسات الحالة التي يمكن القياس عليها وقصص نجاحات تحققت فعليًا فيما يخص قضية خفض استخدام الكربون المجسد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن بينها "ماجد الفطيم" التي اتخذت خطوات مهمة ورائدة لقيادة هذا المسار على مستوى المنطقة. إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد نهج تعاوني بنّاء بين جميع الأطراف المعنية لتبادل المعارف والخبرات عبر شراكات استراتيجية فيما بين مؤسسات القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية.
وفي بحث أجرته شركة "ديفيس لانغدون" المتخصصة في مجال استشارات الإنشاءات، تُظهر البيانات المستمدة من تقييمات الكربون المجسد لنحو 30 بناية مكاتب جديدة تباينًا كبيرًا في النتائج، مما يشير إلى عدم وجود شيء يمكن أن نطلق عليه "المبنى النموذجي". فقد بلغ متوسط الانبعاثات المذكورة في دراسات الحالة التي أوردها هذا البحث؛ 964 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/م2، وكانت القيمة القصوى 1650 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/م2 والحد الأدنى 520 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/م2. ويمكننا هنا أن نحسم هذا الأمر بأنه، في حين أن الانبعاثات تختلف من مبنىً إلى آخر ، إلا أن متوسط نسبة الكربون المجسد في العناصر الهيكلية في جميع المباني قد بلغ 60%. ولذلك، وكما هو الحال مع معظم القضايا الخاصة بالاستدامة، فإن جهود خفض الكربون المجسد لا بد وأن تكون مدعومة بدراسة جدوى منطقية، تتضمن الفوائد الرئيسية التي ستعود على الشركة في حال استثمرت لمعالجة هذه المسألة، وتشمل هذه الفوائد؛ خفض تكلفة التشغيل عبر تحقيق مكاسب مكافئة؛ إمكانية خفض المزيد من تكاليف الاستثمار الرأسمالي؛ وكذلك تكاليف الصيانة والإصلاح والاستبدال.
والنبأ السار هو أنه تتوفر في منطقتنا العديد من فرص تحقيق المكاسب السريعة التي يمكن الاستفادة منها لإحداث تقدم ملموس في عملية التصميم والبناء مستقبلًا. ويعد العمل التعاوني لتحديد مزايا سلسلة التوريد التي تحد من المواد كثيفة الكربون أمرًا أساسيًا لتحقيق هذا التقدم على المدى الطويل وخفض الكربون المجسد. فعلى سبيل المثال، تعد مشاركة الرؤى الخاصة بالمشتريات والتوجه نحو موردي بدائل الخرسانة منخفضة الكربون، ومواد البناء التي تحبس الكربون ومواد التشطيب القابلة للتدوير بدرجات أعلى، خطوة إيجابية نحو تعزيز التأثير الجمعي للمنطقة. ومن شأن ذلك أن يضمن لنا تأسيس توجه عام وثقافة موحدة نحو تطبيق أفضل الممارسات التنفيذية، وأن نستفيد جميعنا من معرفة وخبرة بعضنا البعض.
ونحن في "ماجد الفطيم" نوجه دعوتنا إلى كبرى مؤسسات القطاع الخاص في المنطقة إلى النظر في السياسات التي تضمن امتثال جميع الموردين لتلك المعايير المتقدمة وذات الصلة عندما يتعلق الأمر بالكربون المجسد. مع العلم أن الوصول إلى هذا المستوى من التغير المفروض ذاتيًا ليس بالأمر السهل، لكنه ضروري. كما أن الحاجة إلى العمل معًا تعد أمرًا بالغ الأهمية، حيث لا يمكن لمجموعة صغيرة من الشركات وحدها إحداث التأثير والتغيير المطلوبين لانجاز أهداف الحد من الكربون على المستوى المطلوب.
تم نشر هذه المقالة لأول مرة في https://www.popsci.ae